"سكيزوفرانيا "

أحياناً نحن نُظهر نقيضَ ما نُضمر.
أحياناً نُبدي للعيان عكسَ ما نكون. 
نعيش معاناةً مكتومة عن الملأ بينما تملأ الضحكات أشداقنا بأحاديث تافهة.
نحتال على الحقائق. نلجم هشاشتنا وضعفنا بأقنعة القوّة. نزيّف الأصل بالمساحيق. ننكر ما يتلبّسنا. ندّعي ما لا يحقّ لنا. نهرف بما لا نعرف. نتذرّع. نخدع. نكذب. نمكر. ننافق. نتملّق.
لكنّ الحقيقة تقبع كاملةً بكلّ ثقلها في أعماقنا مثل قنبلة موقوتة، ونحن لا ندّخر جهداً من أجل أن تبقى في سريرتنا مقموعةً ومكبوحة الجماح.
الحقيقة طفل طريّ غضّ.. حقيقتنا.. نقطة ضعفنا الخفيّة التي يهدّنا انفضاحها، ويعرّينا على العلن مثل عصب مكشوف في ضرس منخور.
لهذا أحياناً - وأحياناً قد تعني بالنسبة إلى البعض طوال الوقت - نحن لسنا نحن. نحن لسنا أنفسنا. لا نستطيع أن نكون ما نحن عليه حقاً؛ لأنه قد لا يُوافي شروط السلامة التي سنّها الناس.
تصوّروا المعاناة التي يُقاسيها الإنسان الصادق الذي يشفّ ظاهره عن جوهره مثل الزجاج. تصوّروا كيف سيتمّ تهشيم هذه الشفافيّة بكلّ قسوة من قِبل الآخرين.. الآخرين غير المعتادين على هذا النوع من النقاء الصّرف والصدق الخالص غير المغشوش.. الآخرين المشوّهين من قِبل آخرين نقلوا إليهم عدوى العنف ولقّنوهم درساً حول هذا العالم المُسنّن الحادّ.. الذي يُشبه الفرّامة.. فاستبدلوا الاصطكاك بالاحتكاك.
الحياة خشبة المسرح الكبرى التي نولد ونموت عليها. نحن على هذه المنصّة التي تسعنا جميعاً ممثّلون أيضاً.. نحن عالقون هنا مع بعضنا البعض وجهاً لوجه.. وينبغي أن نقوم بأدوارنا على أتمّ وجه.. الفرق بين مسرح الحياة والمسرح العاديّ؛ هو أننا على الأول، حين نعاني ونُفجَع ونتألّم ونتأزّم وننزف ونبكي ثمّ نموت وتنسدل علينا الستارة في النهاية.. لا أحد يصفّق لنا.



محمد صالح بن عوانة 

تعليقات

المشاركات الشائعة